2015-01-23

البابليون

 تدمير اور وسقوطها سنة 2006 ق.م , سمحا للعموريين بالظهور على المسرح السياسي للهلال الخصيب . لغتهم السامية هي احدى الدلائل على انهم هجرة خرجت عن طريق الخليج ووادي الفرات من الجزيرة العربية . تمكن العموريون , تحت لواء اشبي ايرا , من تأسيس سلالة قوية في ايسن حكمت اكثر من قرنين . قبل ذلك بسنوات قليلة كانت قد قامت في لارسا سلالة اخرى ناطقة بالسامية , دام حكمها اكثر من ذلك بقليل . حكمت السلالتان في وقت واحد بلاد بابل طيلة قرن كامل , حتى قامت في بابل في مطلع القرن التاسع عشر ق.م . وبدون مقاومة منهما دولة ثالثة , كانت مؤلفة من العموريين الناطقين بالسامية ايضا .
  لكن في اوائل القرن الثامن عشر ق.م , كانت لارسا تحت حكم ريم سين , واصبحت المنوائ البارز الوحيد لبابل , من اجل السيطرة على بلاد ما بين النهرين .

   حمورابي وشرائعه 

  كان الملوك الخمسة الاول , من السلالة الجديدة في بابل , منهمكين بالدرجة الاولى في اقامة الابنية الدينية والدفاعية وبشق الاقنية , دون توسع اقليمي يذكر , تاركين هكذا لحمورابي ان يقود الحملات المظفرة التي افضت الى امتداد امبراطوريته من ماري على الفرات في الشمال الغربي , حتى عيلام في الشرق , وان يتقدم بعد تغلبه على لارسا للسيطرة على مملكة سومر واكاد القديمة .
  بالاضافة الى تأسيس هذه الامبراطورية التي لم تدم طويلا , قامت شهرة حمورابي بالدرجة الاولى على مجموعة الشرائع ( 2 ) المنسوبة اليه ,والمكتوبة باللغة الاكادية ( 7 ) , وهي لسان سامي اصبح في تلك الحقبة , انسجاما مع التطورات السياسية , اللغة الرئيسية لبلاد ما بين النهرين . لكن اللغة السومرية بقيت وقفا على الاستعمال الديني بالدرجة الاولى , مع ان الحضارة التي عبرت عنها الت الى الساميين , وواصلت ازدهارها معهم .
  كان حكم خلفاء حمورابي طويلا ومستقرا . ومع انه ورد ذكر الكاشيين الدخلاء في بابل في اواخر القرن الثامن عشر ق.م ( القادمين على الارجح من الجبال الواقعة في الشمال الشرقي ) , فمن الاكيد ان حملة الملك الحثي مرسيليس الاول سنة 1595 ق.م او بعدها بقليل , هي التي ادت الى تدمير بابل الشهيرة وسقوط سلالة حمورابي . يصعب ان يكون مرسيليس قد طمع بفتح دائم , لذلك ملأت الفراغ فيما بعد سلالة كاشية يقال انها حكمت مدى 576 سنة .

  عصور بابل المظلمة 

  امتصت بلاد بابل الكاشيين . وطيلة عصر مظلم يزيد على 200 سنة , نكاد لا نسمع عنهم شيئا يذكر . لكن في منتصف القرن 14 ق.م تزوج الملك الكاشي ابنةملك اشور , الا ان هذا الزواج ادى الى سلسلة من الحروب , انتهت باجتياح الملك المحارب الاشوري البارز توكوليتي نينورتا الاول سنة 1235 ق.م لبلاد بابل واحتلالها . في الواقع احتفظ الكاشيون ببابل , ولكن سلالتهم سقطت امام العيلاميين سنة 1157 ق.م  . 
  لكن العيلاميين خسروا سيطرتهم على بابل قبل نهاية القرن , اذ انتقلت منهم الى سلالة ايسن الثانية , التي وضعت حدا في عهد نبوخذ نصر الاول ( ملك 1124 - 1103 ق.م ) للتدخل العيلامي . ثن سقطت سلالة ايسن بعد فترة من الاستقرار السياسي دامت اقل من 100 عام , تلاها عصر من القلق والاضطراب السياسي , وضعت حدا له سلالة بابل الثامنة سنة 977 ق.م التي عرفت كيف تحافظ , طوال قرن كامل , على علاقات وثيقة مع دولة اشور النامية .
  استنجدت بابل بشلمنصر الثالث ملك اشور ( 6 ) ( ملك 858 - 824 ق.م ) لمساعدتها على قمع فتنة فيها , في حقبة بدأت تظهر فيها القبائل الكلدانية القوية في جنوبي بابل . وقد سبقت الحروب مع اشور والفوضى في الداخل قيام تلغت بيلصر الثالث ( ملك 744 - 727 ق.م ) كملك بارز لاشور , لم يلبث ان اعتمر التاج البابلي . وقد حكم خليفته شلمنصر الخامس ( ملك 726 - 722 ق.م ) على كلا البلدين طوال 5 سنوات . لكن كلا من سرجون الثاني ( ملك 721 - 705 ق.م ) وسنحاريب ( ملك 704 - 681 ق.م ) وجدا في الكلدانيين اعداء الداء لهما . 
  تقلبت احوال بابل تقلبا عظيما في القرن السابع ق.م , حتى ظهر " ابن ابيه " المجهول الهوية نابو بولصر ( ملك 625 - 605 ق.م ) تاذي دشن عهدا عظيما من الحضارة البابلية في ظل السلالة الكلدانية .

  ظهور البابليين المستحدثين 

  اعانت بابل الميديين على دحر نينوى والاشوريين سنة 612 ق.م , ودمر قائدها العظيم نبوخذ نصر الثاني ( ملك 604 - 562 ق.م ) القدس وسبى اهاليها , واقام انصابا ومباني جعلت من بابل احدى عجائب الدنيا السبع , وهذه هي حقبة الجنائن المعلقة . اغتيل ابن نبوخذ نصر , واخذ انحلال بابل يتفاقم في عهد نابونيد التقي والمولع بالاثار ( 1 ) , وهكذا سقطت بابل , وبدون مقاومة , امام هجمات الملك الاخميني الفارسي قورش الكبير ( حوالي 600 - 529 ق.م ) ثم دمرها احشورش جزئيا سنة 482 ق.م , وكان من الممكن ان يعيد الاسكندر الاكبر ( 356 - 323 ق.م ) بنائها لو لم يمت هنالك . ومنذ ذلك الحين اسدل ستار التاريخ عليها , مع ان مدارسها الفلكية بقيت حية في الحضارات التي تلتها .

   



 ( 1 ) حسب رواية الملك نابونيد ( ملك 555 - 539 ق.م ) , بدأ أورنامو ( ملك 2113 - 2096 ق.م ) ببناء الزقورة العظيمة للمعبود القمر في اور , على انه قد يكون أشاد قد اسس هذا الهيكل على انقاض برج قديم , من عهد ما قبل السلالات . يقول نابونيد ان شولجي ابن اورنامو تابع البناء ولكنه لم يكمله . اما نابونيد نفسه فقد اصلح السلم بأضافة درجات جديدة فوق القديمة . ورفع مستوى الشرفة . لكن اكبر زقورة معروفة ( تبلغ 100 متر مربع ) عي التي بنيت في دور -اونتاش في عيلام بالقرب من سوسا , وهي تختلف من عدة وجوه عن زقورات ما بين النهرين .

 ( 2 ) هذا النصب الصواني لحمورابي نقله من بابل احد الغزاة العيلاميين . ربما في القرن الثاني عشر , وحمله معه الى سوسا , حيث عثر عليه في شتاء 1901 - 1902 . على رأس النصب رسم نافر يظهر فيه حمورابي , وهو يتسلم الامر بكتابة الشرائع من " شمس " وهو المعبود الشمس او معبود العدالة , يبدو ان العيلاميين ازالوا بعض اجزاء النص , الا ان معظمه ما زال موجودا في نسخ اخرى من التشريع , وله فاتحة وخاتمة مكتوبتان بأسلوب شبه شعري .
 ( 3 ) سيطرت بابل على اسيا الغربية , على درجات متفاوتة من السيطرة , وذلك على مدى ثلاثة عشر قرنا ونصف القرن .
( 4 ) يبدو ان هذه اللوحة البابلية التي لم يكشف عن مضمونها تماما بعد تدور على الهندسة النظرية . معظم النصوص الرياضية البابلية معاصرة لسلالة حمورابي ( ملك 1792 - 1750 ق.م ) , اما البقية , فيمكن اعادة تاريخها الى القرون الثلاثة الاخيرة قبل الميلاد . لكن تاريخ المجموعة البابلية القديمة الباكر لا يزل مجهولا , باستثناء البينات المستمدة من نصوص اقتصادية وادارية , ترقى الى اقدم عهود الكتابة في ما بين النهرين , وقد اقتبس البابليون القدماء نظامها العددي المبني على النظام الستيني .

( 5 ) تظهر في بعض الرسوم النافرة على الاجر الثيران والمخلوقات الخرافية التي كانت تؤلف جزءا من المواكب الاحتفالية . وهذه الرسوم , ترقى , مع معظم البقايا البابلية المكتشفة حديثا , الى العهد البابلي الحديث .
( 6 ) تحمل قاعدة قصر شلمنصر الثالث , التي عثر عليها في نمرود , نقشا على سطحها الافقي , يشتمل على فقرة منفصلة تشير الى حملتي الملك في بابل سنتي 851 و 850 ق.م اللتين اعان فيهما الملك البابلي على حماية عرشه من الثورة . ويظهر في هذا الحفر النافر , على سطحها الغربي العمودي , شلمنصر ( الى اليمين ) وربما الملك البابلي ( الى اليسار ) , ومع كل منهما مرافق , وتظلل الجميع مظلة . يلفت النظر في هذا الرسم ان الملكين يظهران فيه وهما يتصافحان , وهو نادر في هذا الفن .

(7 ) تبرز لوحات الاجر الباكرة اهمية الغنم والماعز في اقتصاد المجتمعات السومرية الاولى . وهي تستعمل الرموز الدالة على كلمات " تاجر " " وماشية " " وحمار " . ادخلت الحقبة الاكادية تحسينات على نوعية اللوحات الاولى في اول تدوين من نوعه للغة سامية , اي الاكادية القديمة . اما تطور تلك اللوحات الى لوحات بابل ( اللوحات المصوره هنا بابلية قديمة ) واشور فقد بلغ ذروتة في خط الكتبة , في مكتبة اشور بانيبال في نينوى .
( 8 ) يصور هذا النصب نارام سين ( 2245؟ - 2218 ق.م ) الاكادي منتصرا على الملك العراقي الشرقي للولوبي . شكلت سلالته السامية فترة متوسطة في التاريخ السومري فمهدت السبيل لسيادة البابليين الساميين . تمثال انتصاراته في متحف اللوفر.









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق