كلمة سامي لا تحمل علميا اي مفهوم اثنولوجي , وهي تدل على على صفات لغوية حضارية اكثر بكثير مما تدل على الصلات العرقية . العالم اللغوي الالماني شلوتسر استخدمها اول مرة سنة 1781 ليعبر بها عن التقارب الذي وجده بين اللغات العربية والعبرية والجعزية الحبشية , لان الشعوب التي تتكلم هذه اللغات تنسب في التوراة الى سام بن نوح . ثم صار الغربيون يستعملون الكلمة بالمعنى العرقي ليدلوا بها على هذه الشعوب وعلى غيرها من سكان الهلال الخصيب القدماء وقد شملوا بها الاكاديين والعموريين والبابليين والكنعانيين والفنيقيين والاشوريين والعبريين والعرب والاثيوبيين . السؤال عن المهد الذي خرجت منه هذه الشعوب هو احدى مشاكل التاريخ القديم . وتدور حوله نظريات عديدة , ارجحها لدى العلماء النظرية التي ترد اصلهم جميعا الى الجزيرة العربية وتجعل خروجهم منها في هجرات دورية اعتبارا من الالف الرابع ق.م بنتيجة التكاثر والجدب . وثمة دلائل على انهم استخدموا الجمال والحمير في الهجرة .
تسرب الساميون الاوائل . ثم تكاثروا في ارض الرافدين حتى الشام , اثناء الفترة السومرية . سماهم السومريون بالعموريين ( اي الغربيين ) , لكنهم دخلوا المسرح السياسي للمنطقة منذ اواسط الالف الثالث بظهور دولة ايبلا اولا في شمال سوريا ( على 60 كم من جنوب حلب ) , ثم ظهور الاكاديين , بعد قرن اخر , في جنوب العراق بعد الغاء الدولة السومرية .
مملكة ايبلا
عرفت ايبلا وحضارتها الزاهرة منذ عهد قريب فثط , نتيجة الحفريات الاثرية التي اجريت ما بين 1964 و 1975 في تل يعرف بتل مرديخ . فقد كشف عن القصر الملكي فيه وعن كنز اثري هام جدا هو مكتبنة الضخمة المؤلفة من الاف الرقم الطينية المكتوبة بالمسمارية ( 1 ) .
لم تقرأ بعد معظم هذه الرقم . لكن ما قرئ منها كشف عن الملك اغريس حليم الذي انشأ القصر الملكي سنة 2400 ق.م , والملك ارانيوم ( 2340 ) الذي اخضع بلدة ماري , والملك ابيريوم ( ابراهيم ) الذي عاصر سرجون الاكادي وانهزم امامه . كما كشفت الرقم ان ايبلا عرفت عهدين من الازدهار . الاول ما بين 2400 و 2250 ق.م , وكانت تحتل فيه المركز الثالث في الشرق الادنى بين مصر وما بين النهرين . ثم اصطدمت مع الاكاديين بسبب التجارة وهزمتهم , ثم استطاع نارامسين الاكادي حوالي سنة 2250 ق.م ان يفتحها ويهزم ملكها ابي سيبش ويجعلها خرابا بالحريق الذي ما تزال بعض اثاره واضحة .
على ان ايبلا استردت بالتدريج مكانتها ما بين 2000 و 1850 ق.م , اي في الوقت الذي برز فيه العموريون البابليون , (شعب حمورابي ) . من ملوك هذه الفترو الثانية ابي زيكو ( 1850 ق.م ) المعاصر لحمورابي . بينت الرقم ان ايبلا شكلت امبراطورية سيطرت على مابين وادي الفرات حتى مدينة جبيل على الساحل السوري . كما سيطرت على بلاد اشور قبل ان تدمر . وكانت حروبها تجارية تستهدف السيطرة على طرق التجارة المائية والبرية واحتكار تجارة المعادن من الاناضول والاخشاب من جبال لبنان وصناعة النسيج .
مملكة ماري
برزت مع ايبلا في فترة ازدهارها الاولى ثم بعد تدميرها سنة 2250 ق.م مملكة ( مدينة ) ماري التي بدأ اكتشاف اثارها على حوض الفرات الاوسط ( قرب ابو كمال ) منذ سنة 1933 م وما يزال مستمرا . قراءة نقوشها الاثرية اوضحت ان ماري قديمة تتكون من تطبق عدة مدن . عرفت بدورها مرحلتي ازدهار اولاهما في الالف الثالث ق.م قبل عهد سرجون الاكادي , والثانية في الالف الثاني ق.م .
لعل مؤسس السلالة الملكية الاولى في ماري هو انسور ( حكم مع خلفائه الستة 136 سنة ) , ثم اعقبه حتى اواسط القرن 25 ق.م اربعة ملوك اخرين منهم ايكو شمش ولامجي ماري , ثم جاء الملوك المعاصرون للعهد الاكادي منذ ميجير داغان , ونعرف منهم حوالي 20 ملكا استمر عهدهم حتى القرن الحادي عشر بعد الميلاد ايام توكولتي - مير . ومن ابرزهم زميري ليم ( 2 ) .
ثم دمرت المدينة تحت ضربات ملك اوروك لوجالزاكيزي . لكن الموقع التجاري الهام لماري سمح لها ان تعاود ازدهارها . وان خضع ملوكها لسيطرة حكام جدد هم ملوك اكاد , قبل ان تنفصل عنهم , لكنها في النهاية ضربت الضربة القاضية على يد حمورابي حوالي 1750 ق.م الذي قتل سكانها وساق الباقي عبيدا ...
بالرغم من ان المدينة عادت موقعا تجاريا وذكرت في النقوش الاشورية , فأنها لم تستعد ابدا مكانتها الاولى , واندثر ذكرها مع نهاية نينوى ثم بابل , وان ظهرت ايام السلوقيين كقرية سلوقية .
حضارة ماري
حضارة ماري فيها الكثير من المؤثرات السومرية . الطابع الغالب على معظم التماثيل واللقى والاختام والقبور والنحوت البارزة التي وجدت هو الطابع الديني , ثم المشاهد الحربية . لكنها تعبر عن مستوى فني رفيع . ابرز المعبودات هي عشتار ( 3 ) وشمش وداغان . كانت ماري زقورة قديمة , ولعل قصر زيمري ليم الواسع , الذي كان اشهر القصور في عصره , هو اهم الكشوف المعمارية التي كشفت في ماري , كما ان النقوش المكتشفة فيها ( 25 الف نقش ) هي من اهم واكبر مجموعات النقوش الاثرية في العالم ( 4 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق